نفي النسب بالبصمة الوراثية وأثره في المجتمعات المعاصرة

وصل العقل البشري في العقود الأخيرة إلى اختراع تقنية عالية الدقة لتحديد واكتشاف العلاقة بين المولود والأب البيولوجي له، وهذه اصطلح عليها الناس بالبصمة الوراثية؛ هذه الأخيرة تحدد بما لا يدع مجالا للشك وبنتائج قاطعة نسبة أي مولود أو عدم نسبته إلى الأم والرجل الذي خلق من مائه، بغض النظر عن كون ذلك داخل مؤسسة الزواج، أو ناتجا عن علاقة غير شرعية أو غيرها كنكاح الشبهة أو النكاح الفاسد...إلخفالبصمة الوراثية نافعة في حالات كثيرة كالجهل بالأنساب، أو التحقق منها عند اختلاط الأولاد-بعد الولادة مباشرة كما يحصل في بعض، المستشفيات أو الحروب أو في غيرها-فضلا عن نجاعتها في المجال الجنائي وغيره.لكن من الإشكالات المعاصرة التي تعترض هذه التقنية؛ ما مدى إمكانية أو إثبات النسب بها من الناحية الفقهية والقانونية في مجتمعاتنا المعاصرة.لذا جاء هذا البحث بمباحثه الأربعة بعد التمهيدي -وفيه ماهية كل من النسب والبصمة الوراثية- لتناول هذه القضية بالتحليل والدراسة، من الناحية الفقهية ثم القانونية؛ ففي المبحث الأول: تناولت بالدراسة أهمية النسب ومقاصد الشريعة من حفظه، ثم في المبحث الثاني: شروط نفي النسب بالبصمة الوراثية وآثاره، ثم في المبحث الثالث: تعارض البصمة الوراثية مع الفراش والإقرار، ثم في المبحث الرابع: الموقف التشريعي والقضائي من نفي النسب بالبصمة الوراثية في بعض التشريعات العربية ( المغرب، مصر، قطر).وخلص البحث إلى أن البصمة الوراثية يعمل بها في شتى المجالات، ويستفاد بها كثيرا في المجال الجنائي، أما في مجال النسب: فيمكن في الجملة التساهل وقبولها في إثبات النسب لمن كان مجهول النسب وولد الزنى...إلخ، أما في حالة نفي النسب فقد تتعارض البصمة الوراثية مع الفراش المعتبر و اللعان، أي أن نتائج البصمة الوراثية تكون مخالفة لإحدى هاتين الوسيلتين، والراجح محاولة الجمع والاستفادة منها جميعا قدر المستطاع وإلا تكون البصمة الوراثية تابعة وغير مقدمة على الفراش في الإثبات، وعلى اللعان في النفي.وقد سعى البحث للوقوف على هذه الإشكالات والتعارضات، ومحاولة وضع حل مناسب لها؛ سواء من الناحية الفقهية وكذا القانونية، والثغرات التي لا تزال تشوب مسألة اعتماد هذه البصمة في مجال نفي النسب أو عدم نفيه بها، وقد أوردت بالتفصيل هذه الإشكالات، ثم مواقف بعض التشريعات العربية من نفي النسب بالبصمة الوراثية تشريعا وقضاء.